الملخص
إن النظام العام فکرة بالغة التعقید ولا یمکن تحدیدها بل تستعصی عن التعریف، وهو صمام الامان للأنظمة الداخلیة للدول، ووسیلة القضاء الوطنی فی استبعاد کل ما من شأنه المساس بالمبادئ الاساسیة للدولة، انه سلاح القاضی الوطنی فی حمایة هذه الاسس الجوهریة السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة والاخلاقیة السائدة فی بلاده، لکن الامر مختلف فیما إذا تم اللجوء إلى التحکیم التجاری الدولی لحل النزاعات التجاریة الدولیة، فإن هیئة التحکیم أو المحکم لا یسهرون على حمایة الانظمة الداخلیة للدول، فجمیع تلک الانظمة الوطنیة تقف امامهم على قدم المساواة، کونهم لا یخضعون لها، بل یخضعون إلى ارادة الاطراف التی احالة الیهم النزاع، ویعملون على احترام تلک الارادة وما اتجهت الیه فی اتفاق التحکیم أو شرط التحکیم فهم یعملون على تنفیذ ما ورد فی اتفاق التحکیم وما املته علیهم ارادة الاطراف، یلجا الاطراف للتحکیم التجاری الدولی نظرا لما یتمتع به التحکیم من مزایا عدیدة من حیث سرعة وسریة الاجراءات وحریة اختیار القانون الواجب التطبیق، بما ان التحکیم یعتبر قضاءً موازیاً لقضاء الدولة، فقد سمحت الدول باللجوء الیه کوسیلة لفض منازعات عقود التجارة الدولیة من اجل التسهیل على المتعاملین فی التجارة الدولیة، وهذا لا یعنی أن التحکیم التجاری الدولی یتمتع باستقلالیة تامة من تدخل القانون والقضاء فیه، فالتحکیم هو اتفاق، ولذلک یجب ان تتوفر فیه الشروط الموضوعیة والشکلیة ، بالإضافة إلى الاجراءات التی تقوم بها هیئة التحکیم أو المحکم لابد ان تراعی الضمانات الاساسیة للتقاضی أو ان البطلان سیتابع اجراءاتهما، ویکون ابطال هذه الاجراءات فقد من خلال تقدیم احد الطرفین طلب اقامة دعوى البطلان أو الطعن بحکم التحکیم امام القضاء الوطنی لمنع تنفیذه من قبل الطرف المتضرر منه، لان تلک الامور تعتبر جزء من النظام العام فی التقاضی ولا یجوز تجاهلها، هذا من جهة، ومن جهة اخرى فان قضاء التحکیم التجاری الدولی، إذا لم یکن خاضعًا للنظام العام فی الانظمة الداخلیة للدول، فانه یخضع للنظام العام العبر الدولی الحقیقی، بالإضافة إلى خضوع احکام التحکیم إلى الرقابة القضائیة فی حال اللجوء إلى قضاء الدولة للاعتراف وتنفیذ الاحکام الصادرة أو رفع دعوى قضائیة لأبطالها کما هو مبین اعلاه، والتی لا یجوز تنفیذها فی حال مخالفتها للنظام العام فی الدولة المطلوب تنفیذ الحکم فیها، وبالتالی فإن قضاء التحکیم التجاری الدولی لا یبتعد عن نفوذ القانون والقضاء الوطنی، لأنه یحترم الاسس الاساسیة والمبادئ العامة التی تشکل النظام العام للدولة.